في الأزمات.. القيم تتحدث!

عصفت أزمة كورونا باقتصاديات العالم، تأثرت أغلب القطاعات الصناعية والخدمية، وقطاعات الرياضة والطيران والسياحة والتعليم والإنتاج السينمائي والمؤتمرات والمطاعم والأسواق التجارية وقطاع التجزئة وغيرها. أصبحت المنظومة الصحية وحيدة في الجبهة تكافح من أجل الحفاظ على إمكانياتها وعدم الانهيار من تدفق تسونامي مصابي فيروس وباء كورونا وإنقاذ العالم والإنسانية، فارتفعت أعداد الحالات النفسية والهلع من فصل الموظفين بسبب الظروف الاقتصادية وزيادة الأعباء المالية أو من الملل وعدم وضوح الرؤية المستقبلية في احتواء هذه الجائحة.

القطاع الرياضي كأحد أكبر المتضريين، يعاني من التردد في كيفية إنهاء المواسم الرياضية وإعادة جدولة البطولات للحفاظ على العقود والرعايات والأعباء المالية والتشغيلية لكل مسابقة ونادي رياضي. لذا بادرت بعض الأندية الأوروبية العالمية بالوصول “بالتراضي” إلى تخفيض أجور اللاعبين الذين يتقاضون رواتب فلكية. طبعا قبول اللاعبين في الغرب للقبول بالتراضي لتخفيض الرواتب وإن كانت بنسب مختلفة بين الأندية إلا أنها تعد win\win مربحة للطرفين، لأن الأندية واللاعبين يدفعون ضرائب على الدخل المادي. الدوري الإنجليزي له أدوار وأثر اجتماعي كبير في المجتمع الإنجليزي، ويعد الأغلى عالميا بدفع رواتب اللاعبين التي تصل لحوالي مليار جنيه إسترليني في السنة.

وقد أعلن الاتحاد الإنجليزي عن توصل لتخفيض الرواتب بنسبة 30٪ (بشروط وتراضي بين اللاعب والنادي)، وتدفع القيمة المالية المخفضة لدعم أجور رواتب العاملين في الأندية لضمان تماسك المنظومة الرياضية وعدم تأثرها لتجاوز أزمة كورونا. أيضا تبرع الاتحاد الإنجليزي بمبالغ مختلفة لدعم الدوريات غير المحترفة مع إقرار باستئناف الدوري عندما تسمح الظروف الصحية وبدون إلغاء. يضاف لذلك، تبرع الاتحاد الإنجليزي بملغ 20 مليون جنيه إسترليني لدعم الهيئة الصحية البريطانية.

نادي روما الإيطالي قدم معونات غذائية لجماهير النادي من ذو الدخل المحدود. الأندية الألمانية الثرية فتحت الأبواب للتبرعات بمبلغ أولي بقيمة 22 مليون يورو لدعم الأندية الأقل في الإمكانيات المادية في الدوري لكي تتمكن من تجاوز الأزمة.

هناك حزمة من الحوافز والدعم الحكومي والمبادرات لتخفيف الأعباء المالية على الاقتصادات المحلية ويساعد في استمرارية صناعة المنظومة الرياضية في تلك الدول ويقلل من الضرائب المالية على دخل الأندية واللاعبين.

منظمات عالمية منها منظومة السفر العالمية ومنظومة السياحة العالمية ومنظومة الطيران تعاني قطاعاتها شلل شبه كامل مع توقف السفر والسياحة واضطرت الشركات لإعادة مبالغ الحجوزات وبدأت بعض القطاعات في إشهار إفلاسها، ويعضها لجأت إلى تقليص عدد الموظفين أو تخفيض الرواتب. بلغ عدد المتقدمين على المعونات بسبب عدم وجود وظائف خلال هذا الأسبوع فقط في الولايات المتحدة الامريكية الى أكثر من سنة ملايين شخص. المنظمات العالمية نصحت الحكومات بتقديم الدعم المالي لهذه القطاعات وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

أصبح الجميع في حالة هلع، بدأت الشركات والأندية الرياضية تتسائل عن الأنظمة وآليات التفاوض التي سوف تستند عليها لتخفيف الأعباء المالية وتخفيض أجور الموظفين واللاعبين وحوافز التنفيذين وعبث مجالس إداراتها.

بالعودة للمنظومات الرياضية، الاتحادات التي لديها أنظمة واضحة وشفافية استطاعت فتح موضوع الرواتب الخيالية مع اللاعبين وأهمية التشارك في حفظ تمساك المنظومة الرياضية وتوصلوا “بالتراضي” لتخفيض الأجور. رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو  صرح بأن كرة القدم سوف تتغير بعد أزمة كورونا بالإشارة الى تضخم المنظومة بأسعار اللاعبين والرعايات المبالغ فيها وفي الأمور التشغيلية المرتفعة للأندية.

اتحادات أخرى وجدت نفسها وأنديتها في متاهة كيفية إنهاء مواسمها ومسابقاتها الرياضية، وكيفية التفاوض وطرح فكرة خفض الرواتب، وطلبت من الاتحاد الدولي التدخل لوضع آلية وتوصيات لتجاوز هذه الأزمة.

بعض الدوريات يعاني لاعبيها المحترفين من تأخر استلام الرواتب الشهرية لمدة قد تصل لأكثر من شهرين متتالية وهي المدة التي تسمح للاعب المحترف بإلغاء عقده من طرف واحد. كثير من اللاعبين فضلوا عدم رفع  شكوى ضد ناديه بسبب عدم انتظام الرواتب لعدة شهور، ولكن يرون أن فكرة طرح تخفيض الراتب غير مناسبة. مجموعة أخرى ترى أن تعاون الجميع مهم لتجاوز آثار الأزمة العالمية، وهو الضمان لاستمرار وقوة هذه المنظومة، واستمرار وظائف اللاعبين المحترفين.

السؤال هنا، في حال السماح للإتحادات الرياضية الطلب من الفيفا بالتدخل لحل أزمة رواتب اللاعبين المحترفين في كرة القدم، هل يمكن لنا أن نطلب من منظمة السياحة والسفر والطيران وجميع الهيئات العالمية بالتدخل في رفع توصيات ملزمة في تخفيض أجور العاملين وحوافز التنفيذيين وأعضاء مجالس الإدارات العاملين في هذه القطاعات مثلا؟

هناك ضرر اقتصادي عالمي على معظم القطاعات، وكما يقال مصائب قوم عند قوم فوائد، استفادت قطاعات من اأمة كورونا مثل شركات التقنية وتقنيات التعليم والاجتماعات عن بعد والتجارة الإلكترونية والشحن وتطبيقات الاتصال والتوصيل وبعض الفنادق التي استخدمت كحجر صحي. قطاع تصنيع السيارات وجد نفسه أمام طلبات خارج خط إنتاجه بطلب حكومات الدول منهم إنتاج تقنيات التنفس الصناعي بكميات كبيرة. يضاف للقطاعات المستفيدة من الأزمة القطاع البحثي الطبي وشركات غنتاج الأدوية. ولا ننسى احتياج المجتمعات للأطباء النفسيين خلال وبعد الأزمة والمتوقع تحقيقهم الأرباح الكبيرة. ولا ننسى أيضًا منتجات لم يكن عليها نفس الطلب وهي المعقمات والكمامات، حيث تضاعفت القيمة السوقية لهذه القطاعات.

ولأن القيم لا تتجزأ، فهل يحق للعالم والمجتمعات والهيئات الدولية والفقيرة والمتضررة من الأزمة بأن تطلب من المنظمات الدولية ومنظمة الصحة العالمية والحكومات بإلزام الشركات التي استفادت من الازمة وحققت الأرباح بالتبرع بنسبة من أرباحها بما لا يقل عن 25٪ لدعم الجهات والافراد والأسر المتضررة في بلد كل فرع للشركات، والعمل من أجل تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة للقضاء على الفقر والجوع وضمان الصحة الجيدة للإنسان والتعليم الجيد والابتكار والعمل اللائق وحماية البيئة والمحيطات والبحار والسلام والعدل والمؤسسات القوية.

وقت الأزمات يتسائل الجميع عن القيم التي تعلموها في البيت والمدرسة وفي  أخلاقيات العمل.

القيم التي تقول إذا طلبنا من المتضرر التضحية وتقديم تنازلات بتخفيض راتبه أو فصله والاستغناء عنه في الأعمال، فمن الأولى الطلب من الرابحين من هذه الأزمة بالتعاون وتقديم الدعم للمتضررين من أجل ضمان العدل والمساواة للجميع.

Comments are closed.

  • Facebook
  • LinkedIn
  • Twitter
  • Flickr
  • YouTube
Please Fill Out The YT (Youtube) Slider Configuration First